نظرية المعرفة عند الصوفية

الملخص

التصوف الإسلامي هو احسان وتهذيب سلوك وتربية، وهذه أشياء لا ينتقدها إلا مفتقر للمعرفة، أما انتقاد ما اشتمل عليه من نظريات وأساليب فهو محل قبول للأخذ والرد، بل قد يكون محلا للاختلاف بين المتصوفة أنفسهم بين داعٍ ومنكر، وقد تناولت نظرية المعرفة بالبحث للوقوف على حقيقتها من أعلام التصوف ومصادره الأصيلة، فقد كان ينسب لها أنها باب دخلت منه للتصوف فكرة وحدة الوجود وغيرها من المصطلحات الفلسفية، وقد انتهجت منهجا وصفيا نقديا، طلبا للموضوعية وانصافا لهذا العلم، فكان النقد من خلال أهل هذا العلم المنتقدين لبعض الانحرافات الدخيلة على هذه النظرية.

ولقد درست خلال البحث الفرق بين المعرفة بمفهومها العام، وبين مفهومها الصوفي الخاص المعتمد على صفاء القلب لمولاه والتطهر من التعلق بالأغيار، فهي هبة ربانية لا كسبية، مع أن العلم قد يكون شرطا لحصول هذه الهبة، وهي متى حصلت كانت الأكثر يقينا ورقيا بعد الوحي، والوحي هو الحاكم عليها أهي هبة ربانية أم تلبيسات شيطانية، وبحصولها كان أمام صاحبها إما كتم أو بوح أو رمزية في التعبير عنها والكل له حجة، أما اسقاط التكاليف عن من وصل إلى اليقين بهذه المعرفة، فهذا قول مع شذوذه وندرته عند من يدعون الانتساب إلى هذا العلم، غير أنه رُد عليه من أعلام التصوف الذين لهم في الأمة لسان صدق، فقد وقفوا موقف الرافض والمنكر له، وأوجعوا بألسنتهم مذهب هؤلاء القلة، وألجموا بحججهم أفواه القائلين بها، وللغزالي في هذا موفق متميز وفهم راقٍ، مستمد من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- في طلب الراحة بأداء الطاعة، فاعتبر الغزالي أن الذي يسقط هو التكلُّف في أداء الطاعة لا التكاليف فتصير قرة عين له.