الجذور الأولى للعدّ والحساب في الحضارات القديمة وادي الرافدين نموذجاً

الملخص

أن نزعة الإنسان الفطرية إلى حب التملّك كانت دافعاً مهماً نحو سعيه للبحث عن أي وسيلة يمكن أن يمثّل أو يجسّد بها ممتلكاته بشكل رمزي، وهنا بدأ يخطو أولى الخطوات في طريق استحداث ما يُعينه على بلوغ غايته، وقد ترتب على ذلك أن ظهرت بذور علم الحساب الذي نما ببطء شديد ليتصدّر كل العلوم منذ الأزل، وليس أدل على ذلك من تغلغل الحساب في معظم شؤون الحياة اليومية للبشر مهما كانت درجة رقيهم أو انحطاطهم. ليس من السهل تحديد المدة الزمنية التي استغرقها الإنسان الأول لابتكار أساليب وطرق للعدّ والحساب، وكل ما كان بوسعه القيام به حينذاك هو تقدير كمية أي شيء بقليل أو كثير دون التزام بوزن أو عدد. ولا شك أن التوصل إلى اعتماد أساليب وأدوات بعينها لإجراء عمليات العدّ والحساب كان بمثابة ثورة في حياة البشر، ولعل أولى المحاولات التي قام بها الإنسان في هذا الصدد هي تلك العلامات والإشارات التي تركها على جدران الكهوف وعلى الصخور والأحجار، والحزوز التي كان ينفّذها على عظام بعض الحيوانات وعلى العصي وجذوع الأشجار والتي تبيّن مدى اهتمامه بالعدّ والحساب في زمن سبق اختراعه للكتابة.